إعلان
إعلان

طمأنينة: بقلم دلال ابراهيم

# سفير برس

إعلان

عندما أذهب إلى ركني المفضل, فأنا لا ألوذ بالوحدة مطلقاً, أنا أهش بعض الأرق عن كاهل بوحي…

أكون كناسك مستجد, يجمع شتات روحه ليضعها في سلة إيمانه…. أعلق ساعة الوقت على جداري الأخرس لأبدأ طقوسي المزدحمة بالأماكن والأزمنة والأشخاص …لا حدود منضبطة لدي فأنا اتنقل  على متن خيالي الشاسع.. فلا تصريح مسبق لتنقلاتي الكثيرة.. ذات حين ذهبت إلى سان ريمي دو بروفنس لأشبع فكرة ضائعة في ذهني, بحثت هناك عن نافذة المصح التي أطل منها فان غوخ فخلق ذلك الاكتمال البديع الفريد للوحة ( ليلة نجوم ) … تساءلت كثيراً: كيف زرع الطمأنينة وسط ذلك الصخب؟؟؟ حتى يرسم لنا سماء تتوهج بالنجوم في عز النهار…بعد أن قطع أذنه وأهداها إلى بائعة الهوى ..نَمَت من حولي أفكاراً حافية كانت تضج بالدهشة..

” الأرواح التي اعتادت القلق, تظن أن الطمأنينة فخ”

جملة موجعة قالها دوستويفسكي وترك لنا الكثير من الألم.. هي فخ .. نعم!!

في كل مرة نقرأها ننكأ جراحنا المندملة.. تخرج إلى السطح كل المواقف التي مدتنا بالأمان وخذلتنا..نتأمل ذواتنا, فنجد أننا أصبحنا أكثر حذراً من مواطن الأمان عن مواطن الأذى!

ذاك الشعور المُنَغِّص الذي يدفعك للهرب بعيداً كلما لامس قلبك شعور طيب, تجنباً لنهايات مؤلمة نعرفها جيداً!!

يلوح لك الباب من بعيد, فتراه جميلاً, يطمئن له قلبك, تتجه صوبه فاتحاً ذراعيك على اتساعهما.. وما ان تقترب, وتهم بإمساك الباب, حتى يرتجف جسدك ويدب الرعب في أوصالك..

تتقدم خطوة وتتراجع خطوتين, تراودك كل ظنونك السيئة, تتخيل كل النهايات القاسية, تضطرم الحرب في داخلك!

تبحث عن بصيص نور هارب… فتغرق في غيبوبة الظلام.. تتحسس تلك المشاعر التي طاشت في غفلة .. تجمعها في إناء مكسور.. لا تلبث أن تبللها حروف الضياع وتلفحها حرارة الندم..

فتقرر العودة أدراجك, مؤثراً أن تظل أبواب قلبك موصدة, على أن تفتحها وتستقبل ندبة جديدة!!!

يتعلق الأمر بالأمان والأطمئنان, دائماً هو الذي يجعلك تنهي الأشياء قبل آوانها, أو تقع في فخ الوهم! بين الندوب كان ثمة جرح عميق.. فنقرر أن لا نذهب بعيداً, فلا جدوى من الجذور الجريحة.. نجلس على حافة الزمن, نغرق في طينه ونحن نبحث عن قصيدة شذية جمعتنا.. لكن لا نجد هناك سوى شجرة خيبتنا, وهي تمضغ أحلامنا.. نحن من أضعنا حروف الهجاء حين أدرنا ظهورنا للشمس فجرف السيل أصواتنا .. في قواميس اللغة عجزنا أن نجد تفسير معان كتبناها بحروف أبجديتنا.. تسبح في مجرة أفكارنا ألف فكرة وفكرة.. تولد من رحم كل فكرة خدج قصة.. تصارع البقاء وتتشبث بأصابع الأمل النحيلة .. ونبقى نحن هناك عالقون بين تلابيب الحيرة.. نلتحف بالصمت وننصت لحشرجة الشوق.. نشيع الحنين إلى مقابر الخيبة .. ولا يتبقى لنا سوى بعض الصدى في مخيلة العويل .. وبعض الأنين في قعر كأس اللظى..نربط على جأش حزننا العميق.. وتغدو أرواحنا من زجاج ب لهفة نُرمم وبتلويحة ننكسر.. يا الله ما أهش طمأنينتنا!!!!

والآن سوف أتجرد من بريق زائف… وسأعود وآوي إلى ركني المفضل.. لأخذ قسطاً من النقاء في ترحالي..

#سفير برس-دلال ابراهيم

إعلان
إعلان

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *