قرع ناقوس الخطر مع الإعلان عن اليوم العالمي لمنع الاستغلال والاعتداء الجنسيان على الأطفال: بقلم دلال ابراهيم
#سفير برس

تحت عنوان ( الاستغلال والاعتداء الجنسيان: تنفيذ سياسة عدم التسامح المطلق ) أعلنت الجمعية العامة للأمم المتحدة يوم 18 تشرين الثاني – نوفمبر – يوماً عالمياً لمنع الاستغلال الجنسي للأطفال, وسوف يتم الاحتفال به سنوياً بدءاً من هذا العام.
تعددت القصص المرعبة والمتوحشة لجرائم وانتهاكات تُرتكب بحق البراءة والطفولة. قصص جارحة للنفس وحين تقترب منها كأنك تؤذي طباعك الراسخة وضميرك العميق.جرائم لا تبرح تنكأ جراح, بحيث لا نكاد نبرأ منها حتى تليها جريمة وجريمة تلو جريمة, دون أدنى خوف. توجع ألبابنا تصنع منا كائنات تخاف وتتساءل على من يكون الدور في المرة القادمة؟ قصص تؤلمنا وتبكينا, ونحن نهرب من الدخول في تفاصيلها. بلغت من فظاعتها إلى حدود لا يمكن أن تصل إليها أي أفعال بشرية خسيسة من استفزاز الضمير والعقل والفطرة السوية. وحتى يمكن اعتبارها قصص ما قبل القانون حيث الضمير حتى وقد تشوه يظل ممسكاً عنها. هي لم تعد مجرد حالات نادرة ومتبعثرة تحدث في أماكن وأزمنة متباعدة, بل باتت ظاهرة يستدعي استشعار خطرها والتصدي لها في ظل عدم الجدية والحزم القانوني في مقارعتها اتخاذ اجراءات وتوصيات رادعة وملزمة وسن قوانين صارمة ترتقي إلى حجم هذا الخطر, الذي امتد وتغلغل عميقاً في باطن المجتمع, كاشفاً عن خلل كبير فيه لا بد من معالجته, كما وعرى حجم التفسخ القيمي الفظيع الذي وصلت إليه مجتمعاتنا, والانحراف الأخلاقي المرعب والذي يُصعب على المرء تصوره. فلا شيء مهما كان يمكن أن يثير فينا الرعب والخوف الشديد أكثر من موت الضمير الانساني. وبالتالي لا يمكننا اعتبارها سوى انحلال انساني أكثر منه انحلال أخلاقي.
وقد عززت التقارير والأرقام الصادمة التي تطالعنا بها شبه يومياً الصحف والوكالات الدولية للأنباء حول حجم الاستغلال الجنسي للأطفال في العالم قاطبة واحصائيات لا تعطي الأرقام الحقيقية لضحايا هذه الأنواع من الاعتداءات, فما نعرفه ليس سوى الجزء الظاهر من الجبل الجليدي , وقد وصفها تقرير صادر في المفرب ب ( الجريمة المستترة ) حيث أغلب الضحايا يلوذون بالصمت خوفاً من الفضيحة أو ربما خوفاً من الانتقام, وقد أقنعهم المعتدي بسطوته وجبروته, هذا بالإضافة إلى ردود فعل الأهل غير السليمة حينما يقع أحد ابنائهم ضحية هذا الفعل الشنيع, بينما في أحدث تقرير صدر في بريطانيا الشهر المنصرم تناول سلسلة فضائح صادمة تعود إلى عقود ماضية, وصف تلك الانتهاكات ب ( الوباء ) فيما قال عنها التقرير الملكي الاسترالي بأنها ( مأساة وطنية ) وطالبوا بانشاء وزارة خاصة بهذا الموضوع, عززت ضرورة رفع الصوت الانساني عالياً في جميع المنابر الدولية والمحلية لملاحقة الجناة وتشديد العقوبات ضدهم كأبسط اجراء يمكن من خلالها حماية الطفولة.
وحري بنا القول أن مجرد تأففنا وشعورنا يالغضب والقهر، هو غير كاف. صحيح أنها ردة فعل مهمة وطبيعية لكنها لا تكفي لازالة الأثر. فجرائم من هذا النوع لا يكفي التصدي لها وملاحقة الجناة فيها, بل يتوجب ترميم أثرها في النفس البشرية، الجريمة قد وقعت والأذى لا يزول بمجرد معاقبة المجرم، فالمهم هنا هو استعادة الناس الاحساس بقدسية الطفولة وازاحة مخاوفهم المتولدة عن فعل كهذا. هي ليست جريمة تتعلق بحقوق الأخرين مثلا أو حتى بازهاق نفس. بل بتخريب القاع الأخير للضمير البشري. وهو ما يتطلب تكثيف خطابا يحمي النفس من هذه المزالق الخطرة. لأن مطالبتنا بإنزال أقسى العقوبات بحق الجناة , ربما فيه انتشاء لانتصار الإنسانية ضد فعل مس القيم الدينية والإخلاقية والانسانية للمجتمع على السواء. ولكن ماذا بشأن الضحايا وخاصة الفتيات منهم, مهما بلغ تفاعلنا الانساني معهم؟ لأننا كمجتمع شرقي محافظ يرى الشرف في غشاء البكارة ويقيس العفة بمدى الاختلاط, فسوف تبقى أنيابه تنهش في أرواحهن مدى الحياة, أرواحهن التي سُلبت منهن. ولن يقبل هذا المجتمع ممارستهن لحياتهن الطبيعية, ومهما تضامنا معهن ستظل أصابع المجتمع تشير إليهن وتوسمهن بالعار إلى الأبد. هذه الشروخ المجتمعية والنفسية الكبيرة هي التي ينبغي أن نوليها اهتمامنا أيضاً. ومن هنا تأتي الحاجة الملحة لافتتاح مراكز تهتم وتعيد التأهيل والثقة لهؤلاء الضحايا الأبرياء. وإلا فإن أصابع الجناة ستظل تعبث في الطفولة.
دلال ابراهيم: عضو في مؤسسة نداء لحماية الأطفال من الاستغلال الجنسي