إعلان
إعلان

التنمّر .. بقلم : د. رولا الصيداوي

#سفيربرس

إعلان

تشتق كلمة التنمر في اللغة العربية من محاكاة النمر، وذلك لتشبيه سلوك من يقوم باستغلال قوته في إساءة المعاملة بالنمر الشرس والمفترس، فالمتنمر من تشبَّه بالنمر بسوء خلقه وشراسته وصراخه، والتنمر باللغة الإنجليزية Bullying يشير إلى اساءة المعاملة التي تتضمن الإيذاء بأشكاله المختلفة أو الابتزاز وإساءة استعمال السلطة والقوة.
وإذا نظر كلٌّ منا في ذكرياته بتمعن سيجد نفسه بلا شك قد تعرض للتنمر مرة واحدة على الأقل في حياته، وغالباً سيجد نفسه متنمراً أيضاً في مواقف معينة.
التنمر بوصفه ردة الفعل وحلقة القهر المفرغة.

أولاً :الفروقات الاجتماعية والفردية
من أبرز أسباب ودوافع التنمر الفروقات الفردية والاجتماعية، فعلى مستوى الجامعات يتعرض الطلاب الفقراء للسخرية من قبل الطلاب الأغنياء، الطالب الضخم يتنمر على الطالب القصير، والفتيات الرشيقات يتنمرن على الفتيات البدينات ….إلخ.
في حقيقة الأمر لا يمكن أن يخلو تجمع بشري من الفروقات الفردية والاجتماعية، لكن ثقافة المجتمع ككل وتربية الأفراد هي التي تتحكم بطريقة التعامل مع هذه الفروقات الفردية التي لطالما كانت سبباً للتنمر.

ثانياً :لسيطرة كدوافع للتنمر
نرى أن صاحب القرار مهما كانت سلطته متواضعة كالأب والأم والأخ وغيرهم لن يدخروا جهداً في التعسف باستعمال تلك السلطة حتى أبعد الحدود.
ويمكن أن نلاحظ ذلك إذا أمعنا النظر في المتنمرين لنجد أنهم غالباً ما يختارون من هم أدنى منهم من حيث القوة ليمارسوا عليهم التنمر، فلو اعتقد المتنمر أن ضحيته قادرة على الرد أو الدفاع عن نفسها لما أقدم على التنمر أصلاً.

ثالثاً: إثبات الذات وتعويض النقص

يعتبر الرغبة في إثبات الذات أمام الآخرين وتعويض الشعور بالنقص أو النبذ من أبرز أسباب ودوافع التنمر، فالمتنمر يعلم تمام العلم أن إهانة شخص آخر تجعله مرهوباً وربما محبوباً، لذلك نجد المراهقين لا يفوتون الفرصة بالعدوان على أقرانهم الضعفاء لأن في ذلك إثباتاً للذات أمام الآخرين.
وغالباً ما يفتقر المتنمرون في هذه الحالة إلى مميزات حقيقة تجعلهم محط إعجاب الآخرين، فيلجؤون إلى استعراض العضلات كوسيلة لتعويض النقص لديهم.

ينصب اهتمام الباحثين والمهتمين بقضية التنمر على حماية ضحايا التنمر ومساعدتهم على تجاوز أي أزمات نفسية يمكن أن تنتج عن التنمر، فيما يتناسون غالباً أن المتنمر أيضاً ضحية، ضحية نفسه وضحية المجتمع وثقافته.
ومن هذا المنطلق الأجدى أن نحاول اقتلاع مرض التنمر من جذوره، وذلك من خلال إيجاد آليات فعالة لحماية ضحايا التنمر من جهة، بالتوازي مع محاولة إعادة تأهيل المتنمرين ليكونوا أكثر تعاطفاً وليجدوا طرقاً أخرى لإثبات الذات من جهة ثانية.

الوقاية من التنمر

يبدأ علاج التنمر من الوقاية؛ وقاية أطفالنا من أن يكونوا ضحايا للتنمر، ووقايتهم من أن يكونوا هم المتنمرون أيضاً.
وذلك من خلال تعليم الأطفال القيم الإنسانية من الاحترام والتعاطف والتعامل مع الاختلافات الفردية والاجتماعية بطريقة إنسانية خالية من الاحتقار والتكبر، إضافة إلى تعليمهم تحمل مسؤولية تصرفاتهم .
كما لا بد من تعليم الأطفال أساليب فعالة تساعدهم بالدفاع عن أنفسهم بمواجهة الإساءات اللفظية والجسدية وغيرها، ذلك مع ضرورة تعليمهم السيطرة على غضبهم وحسن استعمال الآليات الدفاعية ضمن إطار الدفاع عن النفس وردة الفعل.

علاج التنمر مسؤولية اجتماعية؛ فالأهل والمدرسة وحتى المشرِّعُ القانوني جميعهم مسؤولون عن التصدي لظاهر التنمر وعلاج مرض التنمر، ذلك من خلال:
– تعليم الأطفال والمراهقين قيم التعاطف والتعاون وضرورة وقوفهم في وجه التنمر حتى وإن لم يكن موجهاً إليهم بشكل مباشر.
– العمل على تحويل الطاقة العدوانية عند المتنمر إلى اتجاه آخر، مثل الرياضة أو الموسيقى أو غيرها من المعارف والممارسات التي تساعد الإنسان على التخفيف من الميول العدوانية.
– اتخاذ موقف حازم من تعرض أحدهم للتنمر، فعلى الآباء أن يكونوا حازمين في التعامل مع تعرض أبناهم للتنمر، كما يجب أن يكون المدرس أو الأستاذ حازماً في منع التنمر في الفصول الدراسة وبحات المدارس، كذلك على المدير أن يكون محامياً ومدافعاً شرساً عن ضحايا التنمر في الوظيفة.
– وضع عقوبات صارمة ضمن المؤسسات المختلفة لردع المتنمرين، مع ضرورة فتح الباب لإعادة تأهيلهم.
– إطلاق حملات توعية دورية تهدف إلى التثقيف والتوعية بظاهرة التنمر وخطورتها وطريقة التعامل معها.
بكلمة ….
مجتمعنا مسؤوليتنا وعلينا أن نؤسس اللبنة الأولى بتربية أولادنا تربية سليمة خالية من القسوة والبغض والكراهية وأن نكون أسوة حسنة لهم .

# سفيربرس _ بقلم : دكتورة رولا الصيداوي
أختصاصية علم نفس
أستاذة جامعية
مسؤولة الصحة النفسية في جامعة الحكمة العالمية

إعلان
إعلان

رئيس التحرير

محمود أحمد الجدوع: رئيس تحرير صحيفة سفير برس. صحيفة سورية إلكترونية، يديرها ويحررها فريق متطوع يضم نخبة من المثقفين العاملين في مجال الإعلام على مختلف أطيافه, وعلى امتداد مساحة الوطن العربي والعالم.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *