إعلان
إعلان

كتب د. أيمن أحمد علوش : من اغتال جوزيف شهرستان

#سفيربرس

إعلان

من منّا لا يذكر هذا الاسم من جيل الستّينات أو ربّما في نهاية العقد الذي سبقه أو بداية العقد الذي تلاه ؟

جوزيف شهرستان هو واحد من ذكريات الوطن الجميلة في ملاعب كرّة القدم. كان اسمه موسيقياً حتى الطرب، ومحبته كبيرة حتى العشق، فكم انتشينا لسماع اسمه وهو يتردّد في الملاعب لمهاراته في ذلك الزمن الجميل.
رحل يوم أمس لاعب وكابتن منتخب سورية جوزيف شهرستان، وربّما تمّ اغتياله منّا جميعاً، ولكن على مهل.
كنت خارجاً من أحد مطاعم فندق الشيراتون في دمشق منذ حوالي السنة تقريباً عندما استوقفني في بهو الفندق شخص يجلس في زاوية شبه منفيّة، وقال لي: وجهك مألوف. هل لي أن أعرف من أنت؟ أجبته أنا موظف في إحدى مؤسسات الدولة، ولكن هل لي أن أعرف من أنت؟ أجابني أنا جوزيف شهرستان.
جاءني الرد كالصاعقة. كان الشخص يلبس ثياباً رثّة، ولكن، وبدون أدنى مبالغة، كان وجهه منيراً كالقمر، وعيناه تقدحان ذكاءً، ولا أخفيكم أنّني لم أصدق كلامه، فظننته مدعيّاً، وعندما شعر بما ينتابني من شكّ وريبة أخرج من جيب قميصة مجموعة من البطاقات ودفع بها باتجاهي لأراها… مجموعة بطاقات تختصر مسيرته الرياضيّة كلاعب وكابتن ومعلّق وخبير.
نعم إنّه جوزيف شهرستان، ووجدتني مخطوفاً في ثوان قليلة إلى ذكريات الطفولة والشباب واسم جوزيف شهرستان وغيره من لاعبي منتخب سورية الذين كانت تتردد أسماؤهم في الملاعب وتصنع لنا الفرحة تلو الأخرى.
سألتُه بغصّة تكاد تبتلعني، وماذا تفعل هنا؟ قال أحضر أحياناً إلى هنا هروباً من واقع مؤلم … العاملون في الفندق يقدّرون وضعي فيقدّمون لي كأساً من الشاي … أشربها بصمت ثم اغادر. لا أعرف إذا كنت سأنام اليوم في بيتي، فصاحب البيت طلب مني اخلاءه لعدم تسديد الإيجار لعدّة أشهر متتالية، ولكن الخمد لله كلشي بخير.
كان كبرياء الكابتن حاضراً في كلّ كلمة يقولها، بالرغم من مرارة واقعه المعيشي وما يعانيه من ألم في ركبتيه يعيق حركته، وألم أكبر من تنكر الجهات المسؤولة والمعنيّة لمن كانوا يوماً بسمة وطن.
للمصادفة كان يومها في فندق الشيراتون مجموعة من الأصدقاء من هيئة الدفاع عن سورية في السويد، وكانوا قد خرجوا للتو من مقابلة تلفزيونيّة في إحدى صالات بهو الفندق، فندهت لهم أن يحضروا ويتعرّفوا على الشخص المنفيّ، ولكن أحداً منهم لم يتعرّف عليه، وعندما ذكرت اسمه مكان وقع ذلك كالصاعقة، فمعظم أعضاء الوفد من جيلي تقريباً الذي يعرفون جيداً هذا اللاعب القدير، ومعظمهم من محافظات شمال شرق سورية( الحسكة والقامشلي) حيث ينتمي لاعبنا الكبير، وصادف أنّ بعضهم من أقاربه.
طلبت من الأخوة الأصدقاء في الوفد الاهتمام به والحقيقة ليس هذا ما كان يريده صانع انتصارات سورية في ميدانه، فكلّ ما كان يريده بعض التقدير لكي لا تُهدر كرامته لركن وكرسيّ وفنجان شاي، فالكبار يؤلمهم أن لا يرحلوا كباراً.
بقيت على اتصال مع بعض الاصدقاء إلى أن تمّ ترتيب أموره مع أفراد عائلته الكبيرة والمعروفة جيداً في السويد ليكون في وضع أفضل، ولنكون نحن أيضاً في وضع أفضل أخلاقياً.
كم من جوزيف شهرستان نقتل كلّ يوم في كلّ مجال من مجالات الحياة في وطننا الغالي؟ ولماذا نحتفي بقاماتنا في انجازاتهم ونتنكّر لهم في ضعفهم وألمهم ومعاناتهم.
جوزيف شهرسان هو واحدٌ من آلاف الأبطال والمبدعين الذين كانوا عاملاً مهماً في تشكيل ذاكرتنا في هذا الوطن، ولكننا جميعاً أضعنا عناوينهم وانجازاتهم في زحمة المصالح والأنا، سواءً كأهل أو كجمهور أو كجهات رسميّة معنيّة … نعم جميعنا شركاء في قتل الذاكرة الجميلة وأشخاصها.
لروحك الرحمة جوزيف شهرستان، ولتبقى ذكراك مؤبدا. لقد ساهمنا جميعاً في قتلك… عائلة وأهل وجمهور وجهات معنيّة. اعذرنا جوزيف إذا كنّا قد امتهنا القتل بأدوات التجاهل والتنكّر والأنانيّة والمصالح والفساد، فإنها ثقافتنا الطارئة المعتيدة على الأصالة فينا.

اغتلنا جوزيف، وكم من جوزيف على خارطة هذا الوطن العزيز، ومنهم من قضى نخبه ومن ينتظر.

#سفيربرس _ بقلم : د.أيمن أحمد علوش
دكتور في السياسة الدوليّة/ دبلوماسي سوري متقاعد

إعلان
إعلان

رئيس التحرير

محمود أحمد الجدوع: رئيس تحرير صحيفة سفير برس. صحيفة سورية إلكترونية، يديرها ويحررها فريق متطوع يضم نخبة من المثقفين العاملين في مجال الإعلام على مختلف أطيافه, وعلى امتداد مساحة الوطن العربي والعالم.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *