كتبت د. إلهام التهامي : استعادة صفاء الروح: دعوة للتخلي عن الأثقال والعودة إلى الله
#سفيربرس _ الكويت

في بعض مراحل الحياة، نشعر بحاجة عميقة إلى التوقف والتفكر في مسار حياتنا، وإلى العودة إلى تلك اللحظات التي فقدنا فيها صفاء أرواحنا وطمأنينتها. إنها لحظات نسأل فيها أنفسنا: كم من العمر قضينا في نزاعات أرهقت نفوسنا وأضعفت علاقتنا بالله؟ وكم من الطاقة أهدرناها في جدالات لا طائل منها مع أشخاص وعلاقات، في حين كان من الأولى أن نوجه تلك الطاقة إلى ما يقربنا إلى الله ويرضيه؟
نحن نعيش في دنيا مليئة بالابتلاءات والمحن، وقد أمرنا الله تعالى بالصبر والاحتساب. ومع ذلك، نهانا عن إهدار حياتنا في مشاعر غضب لا نهاية لها، أو الاستسلام لعواطف تسلب منا سلامنا النفسي، الذي يمثل جوهر الإيمان. كم من حب أرهقنا؟ وكم من صداقة استنزفت قلوبنا أكثر مما أفادتنا؟ وكم من لحظات ثمينة ضاعت في مشاحنات لم تؤدِّ إلا إلى تعب القلب وشتات الروح؟
الوصول إلى مرحلة “الاكتفاء” ليس ضعفًا، بل هو إدراك عميق لحقيقة الحياة التي خلقنا الله من أجلها. إن إدراكنا أن ما مررنا به من نزاعات وكسرات ما هو إلا امتحان، يمنحنا القوة للتقدم إلى الأمام. الله يبتلينا ليختبر إيماننا وصبرنا، لكننا مأمورون أيضًا بالتجاوز عن كل ما يؤذينا وتحرير قلوبنا من الأحقاد والضغائن، امتثالًا لقوله تعالى: “وَلْيَعْفُوا وَلْيَصْفَحُوا أَلَا تُحِبُّونَ أَن يَغْفِرَ اللَّهُ لَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ” (النور: 22).
ما أجمل أن نتحرر من الأثقال التي حملناها! أن نترك وراءنا الغضب والكراهية التي عمت بصائرنا عن طريق الهداية. أن نلجأ إلى الله طالبين عفوه ومغفرته، متحررين من قسوة الذكريات والمواقف التي أطفأت نور الإيمان في قلوبنا.
التجاوز هو طريق السلام الداخلي الذي ينبع من قوة الصلة بالله. فمن كان قريبًا من الله، وجد في قلبه سكينة لا يعكرها خلاف ولا ينغصها خذلان. قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “من أحب لله وأبغض لله وأعطى لله ومنع لله فقد استكمل الإيمان” (رواه أبو داود). فالقلب المؤمن لا يحمل كراهية أو ضغينة، بل يتعلم أن يتجاوز ما يؤذيه ويحتسب أمره عند الله.
فلنحاسب أنفسنا على ما تبقى من أعمارنا، وعلى كل لحظة نعيشها بعيدًا عن ذكر الله وشكر نعمه. لا نستسلم لمشاعر الحزن والخذلان، بل نرفع أيدينا إلى الله مسلمين أمرنا إليه، فهو القادر على أن يبدل أحوالنا ويعيد إلى قلوبنا السلام. قال تعالى: “الَّذِينَ آمَنُوا وَتَطْمَئِنُّ قُلُوبُهُم بِذِكْرِ اللَّهِ أَلَا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ” (الرعد: 28).
شيخوخة الروح ليست سوى موت بطيء، يأخذ منا الفرح والسلام دون أن ندرك ذلك. إنها كارثة أن تذبل أرواحنا ونحن لا نزال على قيد الحياة. لكن العودة إلى الله تعيد لنا الحياة الحقيقية.
الحياة الحقيقية هي تلك التي تُعاش في طاعة الله، والرضا بقضائه، والمحافظة على شغف العبادة، وملئها بالذكر والدعاء. دعونا نختار دائمًا العيش في ظل طاعة الله، متجاوزين كل ما يعكر صفاء قلوبنا ويبعدنا عن رضوانه.
واعلموا أنكم لا تدركون الخير الذي أعده الله لكم عندما تتخلون عما يثقل أرواحكم. فاستعينوا بالصبر والصلاة، واطلبوا السلام من الله في الدنيا والآخرة.
#سفيربرس _ الكويت _ بقلم : د. إلهام التهامي