علاج الجذور ..بقلم : د. سناء شامي
#سفيربرس

قوتنا بوحدتنا هو عنوان جميل للقاؤنا اليوم، لكنني لا أريد أن يبقى شعاراً فقط، لذلك من الضروري أن نحدّد ماهيته، و نعمل على تحليلها: هل هو رسالة؟ لمن موجهة هذه الرسالة؟ هل هو نداء إستغاثة؟ من سوف يُغيثنا إن لم نغث أنفسنا؟ لذلك من أجل تفعيل هذا العنوان المهم لمبادرتنا لا بدّ أن نوجّه رسالته إلى الداخل أولاً ثم إلى الخارج. لماذا يجب نداء الداخل قبل الخارج؟
١/ لأن العنف في الفكر السياسي الغربي هو جزء تأسيسي لهذا الفكر و بالتالي فأنه لا يمكن فصل العنف و التدمير عن الإستراتيجيات السياسية الغربية عبر التاريخ إلى يومنا هذا… و بناءً على ذلك فأن منطق الحدود يتناقض مع الوجود التاريخي الأوربي، و بالتالي فأن فكرة الحدود غير مقبولة بالنسبة لأوربا التي سعت دائماً إلى إختراق الحدود الجغرافية و الإنسانية للآخر… إذاً كيف أستغيث بمن يهدف إلى إختراقي؟ و كيف ألجئ إليه و أنا مفكك من الداخل، و لا سيما هو من غرس بذور تفككي الشامل؟
تاريخياً: آلبرت بايك منذ عام 1871، كان جنرالاً في الجيش الكونفدرالي خلال الحرب الأهلية الأمريكية، أرسل وثيقة على شكل رسالة، إلى الفيلسوف و السياسي الإيطالي جوزيبّه ماتسيني، صاحب نظرية الوطن و المواطنة، يخبره فيها بضرورة التخطيط لحروب عالمية من أجل ترسيخ النظام العالمي لصالح النخبة… فقامت بعدها الحرب العالمية الأولى لإسقاط القيصريه في روسيا و نشر الشيوعية من خلال الثورة البلشفية و أيضاً من أجل إسقاط الإمبرطورية العثمانية… تلاها الحرب العالمية الثانية، لإثارة الصراع بين الفاشية (جذورها في القرون الوسطى) و بين اليهودية السياسية العالمية، و ذلك لخلق التوتر بين القوى العظمى، وصولاً إلى الحرب الباردة من أجل زرع إسرائيل في فلسطين…
برنارد لويس مستشرق يهودي صهيوني متعصب، كتب رسالته للدكتوراه حول طائفة الحشاشين، وهي طائفة منشقة عن الإسماعيلية الشيعية، كان يرى في تمزيق المنطقتين العربية و الإسلامية طائفياً و عرفياً، هو إستجابة طبيعية لدواعي التاريخ و الجغرافيا و الثقافة و التراث، و كان يرى في هذا التفكك خدمة للمشروع الصهيوني و ضمانة أساسية لبقاء إسرائيل القائمة على يهودية الدولة في بيئات طائفية و عرقية مشابهة.
أيضاً وثيقة كامبل بنرمان، 1905-1907 التي أقرت بخلق جسد غريب في قلب الوطن العربي لتجزئته كاملة و السيطرة على ثرواته، فجاء على أساسها وعد بلفور، ثم سايكس-بيكو… الخ
إذاً الصمت الطويل و تجاهل بؤرة المرض، هو ما أدى بالأمة إلى الوضع الراهن، فالجميع حكومات عربية و شعوب و مثقفين و غير مثقفي، سياسيين و دبلوم إنشغلوا بالسرديات، و تحولوا إلى مستهلكين لسلع الغرب المادية و لإيديولوجياته المسيّسة، دون خلق سدود، على الأقل فكرية، للحدّ من المد الإستعماري الذي لم يتوقف منذ بدايته، و إستمر من خلال الأنظمة العربية التي ولدت من رحم مخططاته. نحن أمة تملك من القدرات بكل أنواعها الكثير و الكثير، لكن لا تجيد التخطيط و ينقصها مشروع هادف، و زعماء قادة تجيد إدارة مواردها و شعوبها… لا يكفي إتهام الغرب بالوحشية، و وحشية الخيانة و التواطئ و التقاعس العربي، لا أحد يريد مواجهتها… إذاً كيف يمكن أن تكون قوتنا بوحدتنا، دون تشخيص المرض و تحديد أسبابه بشكل واضح، كي يبدأ العلاج، لا بد من تطهير الإنتانات من أجل علاج الجرح العميق.
إذاً العدو الخارجي واضح في أهدافه، و له مخطط ثابت و طويل الآمد… أما نحن المثقفون، في إجتماعنا اليوم، يجب أن نفهم كيف يمكن لقوتنا بوحدتنا أن تتحول لأمر واقع في بلد صغير، رائع الجمال مثل لبنان، لكنه بلد واقع تحت نظام طائفي يتحكم بمفاصل الحياة بكل جوانبها؟
و كيف يمكن أن يستجير لبنان بفرنسا التي أسسته في عام 1920 على أسس طائفية، إذ ضمت بيروت إلى جبل لبنان (جبل الدروز) ثم مناطق البقاع و الجنوب و عكار الذي تُكثر فيه السهول، بناءً على طلب بطريرك الموارنة؟
من 1975-1990 الحرب الأهلية في لبنان أودت بحياة مئات الآلاف بين اللبنانيين، و لم تكن حرباً بين مسلمين و مسيحيين، بل حرب أيضاً بين مسيحيين و مسيحيين.
منذ بداية التسعينات، في لبنان تتوزع مقاعد البرلمان مناصفة بين المسيحيين و المسلمين في عُرف لا مثيل له في العالم: 64 مقعداً للمسيحيين، يأخذ الموارنة منها 34 مقعداً، و الروم الأرثوذكس 14 مقعداً، الروم الكاثوليك 8 مقاعد، الأرمن الأرثوذكس 5 مقاعد، الأرمن الكاثوليك 1 مقعداً، كذلك الأنجيليون و بقية الأقليات لكل واحد منهم مقعد.
بالمقابل، هناك للمسلمين 65 مقعداً: يأخذ السنّة 27 مقعداً، الشيعة 27، الدروز 8 مقاعد و العلويون لهم مقعدان.
كيف نفعّل مبادرة قوتنا بوحدتنا دون أن نعيد النظر في الميثاق الوطني الذي إعتمد منذ “إستقلال”لبنان في عام 1943 على أن يكون رئيس الجمهورية مسيحياً، و بالتحديد مارونياً، و رئيس الحكومة مسلماً سنّياً، و رئيس البرلمان شيعيا ؟
بعد خمسة عشر عاماً من حرب أهلية مدمرة، جاء إتفاق الطائف عام 1989 الذي لم يلغي الطائفية السياسية بل رسّخ نفوذ الزعماء الطائفيين، فقد نصّ على المناصفة في المجلس النيابي بين المسيحيين و المسلمين و في توزيع المناصب، و أصبح ينسحب هذا الأمر على كل الوظائف في الدولة، في الجيش و حتى في الأمن. لم يعد ممكناً تعيين أي موظف في منصب عالي، أو إتخاذ أي قرار لا يحظى بموافقة ممثلي المكونات الطائفية الرئيسية. إن الصيغة التوافقية لإتفاق الطائف أدت إلى شلل الدولة و باتت كل الإنتخابات الرئاسية و تشكيل أي حكومة، مصدر أزمة سياسية جديدة لضرورة التوافق على الإسم بين كل القوى السياسية الممثلة للطوائف في تسويات سياسية هشه، إعتاد عليها لبنان و تجاهل أهمية الهويه الوطنية لحماية وجوده.
إذاً مسؤولية الجميع، و أولهم المثقفين بجميع فئاتهم أن يقوموا بتفعيل مبادرة قوتنا بوحدتنا، من خلال إعادة قراءة الداخل بشفافية و عمق و عزم على خلق مشروع توجيهي يمتص سموم الطائفية.
من خلال جدلية قوتنا بوحدتنا، نستطيع أن نتلمس مكامن القوة في زمن الضعف، و أن نعود إلى مكامن الفرقة و التفرقة كي نحوّلها إلى إنتصارات.
يجب أن نفهم إفرازات الحرب الحالية، من أجل التأكيد على معادلة الوحدة و نشرها كثقافة مقاومة و إستراتيجية لمواجهة العدو الداخلي و الخارجي، و لا سيما بأن الوحدة هي ركن أساسي من أركان الحرب النفسية ضد العدو، و ضد الطائفية التي جسّدت أبشع أنواع الإنقسامات و الوحشية و التي من خلالها كان لبناني يذبح اللبناني على أساس الهوية.
نعم، الحرب الصهيونية على لبنان عام 1982 هدفت إلى إضعاف منظمة التحرير الفلسطينية سياسياً و عسكرياً، و حوّلت الحرب الأهلية اللبنانية لصالحها من خلال حلفائها من اليمين اللبناني، و على أثر ذلك تمّ إحتلال جنوب لبنان، ثم مذبحة صبرا و شاتيلا على يد قوات الكتائب بدعم إسرائيلي، كذلك اليسار اللبناني و الدروز تحالفوا مع الفلسطينيين و بدورهم إستخدموا العنف كرد ضد إسرائيل.
مبادرة وحدتنا بقوتنا يجب أن تبدأ بالنقد الذاتي للواقع و إستثمار التمزق من أجل تحويله بداية وعي و إنطلاقة للوحدة، و هنا لابد من العودة للمشاريع النهضوية مثل المؤتمر القومي العربي 1990، و المؤتمر القومي الإسلامي 1992، و هنا لست بقصد الحديث عن القومية العربية الآن، و لكن للإشارة فقط بأهمية وحدة المنطقة ككل، لأن الهدف من زراعة إسرائيل هو تقطيع أوصال جسد الأمة العربية بأكمله… إذاً أمر هام إنقاذ عضو أو أثنين، لكن هذا لا يزيل خطر موت الجسد كاملةً. إن نجاح قوتنا بوحدتنا يكمن في في تفعيل الهوية الوطنية و القضاء على الطائفية، و هذا مستقبلاً، يمكن أن يصبح نموذجاً يُحتذى به و يمكن تعميمه، و لا سيما بأن اللبنانيين يتمتعون بالثقافة و الديناميكية و الحضارة التي تسمح لهم بأن يكون منطلق لمبادرة قوتنا بوحدتنا، إن عملوا عليها جميعاً و فق مشروع جامع. و مشوار الألف ميل يبدأ بخطوة… و أول الخطوات يمكن أن تكون بخلق مجالس تعمل على تفعيل المبادرة… و للحديث في هذا الشأن، بقية.
#سفيربرس _ د. سناء شامي