إعلان
إعلان

فخ التمويل و خطورة التعويل ..بقلم : سناء شامي

#سفيربرس

إعلان

قرأت في جريدة ألكترونية، الرصيف، بأنه عقب الإعلان عن قائمة الفائزين بجائزة نوبل، علق الرئيس الأمريكي السابق باراك أوباما قائلاً: نحن الأمة التي فاز منها ستة من علمائنا وباحثينا بجائزة نوبل وكان كلٌ منهم من المهاجرين”. كان أوباما يشير إلى أن بلده قد نجح منذ وقت طويل في الاستثمار في المواهب القادمة من البيئات الطاردة للكفاءات، ومنها المنطقة العربية. و سؤالي هنا، لماذا الأنظمة العربية تدفع كفاءاتها للهروب؟ هل حقاً لعدم توفر الموارد المادية؟ أم هي إستراتيجية تواطئ صامتة تخدم مصالح الدول الغربية التي تفرض على أغلب الأنظمة العربية الخطوط العريضة في جميع مجالات حياة المجتمعات العربية من أجل منعها من الإنتاج و التطور؟ ألم تخضع اليوم الكثير من الدول العربية إلى تعديل مناهجها التعليمية بما يناسب سياسات هيمنتها على المنطقة العربية و الإسلامية؟ لا تخصص الدول العربية أكثر من 0.8% من دخلها القومي للبحث العلمي سنوياً حداً أقصى. في المقابل تنفق إسرائيل 3.93% من إجمالي ناتجها المحلي لتمويل الأبحاث العلمية. أما في الصين واليابان والولايات المتحدة فالأمر تحول إلى إحدى ركائز قوة هذه البلدان عالمياً، حتى أن مدينة واشنطن وحدها تضم 397 مركزاً بحثياً، أي أكثر من عدد المراكز القائمة في الدول العربية مجتمعةً. الأمر الذي يُبقي نزيف هجرة المواهب والكفاءات العلمية العربية مفتوحاً حتى إشعار أخر. ينعكس نقص الموارد المالية سلباً على مناخ البحث العلمي. يحتاج الباحثون إلى إمكانات مالية للتفرغ لأبحاثهم وإلى مؤسسات بحثية متطورة تقنياً وعلمياً وإلى ورشات تدريب ورحلات بحثية وتعاون دولي، وكل ذلك يحتاج مالاً وفيراً، تملك منه الدول العربية الكثير لكنها لا تنفق منه في البحث العلمي إلا قليلاً، أين الحلقة المفقودة في كل هذا؟ تُقيّم جامعة بنسلفانيا مراكز الأبحاث والدراسات في العالم ضمن برنامج يسمى “مراكز التفكير والمجتمع المدني” وفقاً لــ28 مؤشراً، ويتم التقييم بناء على المنطقة الجغرافية والبرامج العلمية و القدرات التواصلية ومدى التأثير في السياسات العامة محلياً وإقليمياً، و هذا يُفسّر غرابة خريطة توزيع المراكز البحثية في العالم العربي: أن دول الخليج، التي تمتلك إمكانات مالية هائلة واقتصادات قوية، لا تملك الكثير من مراكز التفكير والبحث، حتى أن عدد مراكز الدراسات المصنفة دولياً في الصومال يفوق عددها ما يوجد في السعودية. الأمر نفسه يتكرر في منطقة المغرب العربي، التي تضم 46 مركزاً بحثياً، بينها 18 في تونس على الرغم من أنها لا تملك إمكانات مالية كبيرة قياساً على الجزائر وليبيا، الدولتين النفطيتين اللتين تضمان 11 مركزاً فقط! و السؤال، هل الغرب يُوزع المراكز البحثية على الدول العربية حسب حجم تحكمّه بأنظمتها؟ هل لهذا السبب، تقلّ المراكز البحثية في دول الخليج و السعودية، لأن آمريكا أحكمت بشكل شبه كامل على أنظمة هذه الدول؟ هل مصر كدولة عربية ذات ثقل سياسي في المنطقة، تحتل مراتب أولى في التصنيف الإقليمي والدولي، وإيران أيضاً بحكم تطلعها إلى لعب دور إقليمي سياسي واقتصادي في الإقليم وخاصة في سوريا واليمن ولبنان والخليج، لذلك تكثُر فيهم مراكز الأبحاث الأجنبية، كوسيلة ناعمة لإختراق و التحكم بهذه الدول من خلال فكر مجتمعاتها؟ ما دامت الدول العربية لا تستثمر في الفكر، إذاً إلى أين تذهب الدراسات و الأبحاث التي يقوم بها المثقفون العرب؟ حتماً للجهات الممّولة لهذه المراكز، أي لأمريكا و الدول الغربية! هل يعلم المثقفون العرب، بأن أبحاثهم تستعمل كسلاح صامت ضد شعوبهم، و كأدوات فعّالة في تطوير سياساتهم ضد المنطقة العربية، و حصر الإستفادة من هذه الدراسات فقط لصالحهم؟ لماذا الأنظمة العربية تسمح لهذه المراكز البحثية الغربية بالتواجد فوق أراضيها، و لا تقوم هي بإنشاء مراكز خاصة بها؟ لماذ المثقفون العرب يبيعون فكرهم و يعرّضون مجتمعاتهم لخط الإستغلال و القمع الفكري، مقابل حفنة من المال، و هل التمويل حجة مقنعة للقيام بدراسات، يعرف المثقف، مسبّقاً بأنها ستعود فقط لصالح المستثمر الغربي؟ في الآونة الأخيرة كثُرت الأبحاث حول الدين الإسلامي و تأثيره الحالي على المجتمعات العربية، و للآسف، مثقفون و أكاديميون كُثر، يقدّمون معلومات قيّمة و دقيقة متعلقة بهذا الشأن، رغم معرفتهم التامة بالحرب الغربية المفتوحة على الإسلام، و على الدين و العقيدة بشكل عام في العالم؟ خمسة مراكز دراسات عربية فقط ضمن أفضل عشرة مراكز شرق أوسطية، من بين أفضل 75 مركزاً بحثياً في المنطقة، والبقية تتقاسمها إسرائيل وتركيا، التي تجاوزت فيها موازنة البحث العلمي المرصودة من الدولة 20 مليار دولار في عام 2015 لأول مرة في تاريخها. بل إن من ضمن الخمسة مراكز العربية اثنين هما فرعان لمؤسسات بحثية أمريكية، مركز كارنيغي للشرق الأوسط ببيروت ومركز بروكنجز الدوحة. قد تكون رواتب الأكاديميين و العاملين في مجال الثقافة، رواتب ضعيفة لا تكفي لمواجهة أعباء الحياة المادية، و لا تضمن التقدم في البحوث و الدراسات، لكن بالمقابل، التمويل الأجنبي ملغوم الأهداف، لا يمكن أن يكون قبوله هو الحل، بل هو معول هدّام يحفر بهدوء تحت أقدام مثقفين و أكاديميين و غيرهم من الفاعلين في المجتمع، و يوّسع و يُعمّق الحفرة من تحت الجميع، إذاً ماذا ينفع هذا النوع من التمويل؟ الآكاديمي أو المثقف الذي يجني أرباحاً مادية من خلال بحث ما، و هذا حق مشروع، لكن أين سيوظف مرابحه هذه، ما دام في أغلب البلاد العربية لا يُسمح بتوظيفها في تطوير المشاريع البناءة؟ هل سيوظفها لفائدته الشخصية؟ و هذا أيضاً حقه المشروع… و لكن القبول بهذا الواقع الفقير رغم تدفق التمويل، ألا يجعل فكر المثقف في البلدان العربية، كأية سلعة تُشرى و تُباع؟ و يكون الغرب بذلك قد حقق أخطر أهدافه الإستعمارية، ألا وهي إحتلال الفكر العربي. إن إحتلال الأرض و مواردها يسبب فقر الأمة، أمّا سرقة فكرها، من خلال حفنة دولارات، يهدف حتماً إلى إلى إلغاء وجودها. اليوم، وعي و ضمير المثقف العربي يلعبان دوراً هاماً في تحديد المسار الوجودي لأم مإخاوض معقّد، و مسؤولية الجميع، العمل على ولادتها من جديد أو إستمرار مخاضها المؤلم حتى الموت.

#سفيربرس _ لينا الشامي

إعلان
إعلان

رئيس التحرير

محمود أحمد الجدوع: رئيس تحرير صحيفة سفير برس. صحيفة سورية إلكترونية، يديرها ويحررها فريق متطوع يضم نخبة من المثقفين العاملين في مجال الإعلام على مختلف أطيافه, وعلى امتداد مساحة الوطن العربي والعالم.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *