كتبت د. إلهام التهامي : رحلة التعافي… عندما تكون النوافذ المفتوحة بداية الحياة
#سفير_برس _ الكويت

لطالما آمنت أن التعافي يشبه تلك اللحظات المهيبة التي نراها في الأفلام؛ صرخة نصر تنطلق في وجه الريح، يرافقها لحنٌ درامي يعلن الانتصار. توقعت أن يكون لحظة خارقة، تُطفأ فيها كل الحرائق التي اشتعلت داخلي، ويخبو معها كل ألم في لحظة واحدة. لكن الحقيقة… الحقيقة كانت أبسط بكثير، وأثقل بكثير.
التعافي لم يكن مشهدًا دراميًا أو لحظة سحرية تغيّر كل شيء. بل كان صباحًا هادئًا، عاديًا جدًا، استيقظت فيه وقررت، دون أي إعلان أو ضجة، أن أفتح نافذتي. مجرد نافذة صغيرة، لم تدخل سوى بعض الهواء، وبعض الضوء. لكن تلك النافذة كانت بداية عالم جديد.
ما لم أكن أعرفه هو أن التعافي ليس شيئًا خارجيًا نتلقاه، بل رحلة شاقة تبدأ من الداخل، تتطلب مواجهة صامتة مع أعمق أوجاعنا. أدركت أنه لا شيء في الماضي يستحق أن يعيد تشكيل حاضري أو أن يكون حَكمًا على مستقبلي. لم أعد أسمح له بالتسلل إلى قلبي إلا إذا كنت بحاجة لاسترجاع درس. وحين ينتهي الدرس، أغلق الباب دون رجعة.
كان الشفاء تجربة تتطلب صبرًا أكثر مما توقعت. خطوات صغيرة جدًا لم ينتبه لها أحد، لكنها بالنسبة لي كانت جبالًا تسلقتها. التعافي كان أن أجلس مع كوب شاي دون أن ترافقني أشباح الذكريات. كان أن أقول “لا” للألم المستمر، وأن أحذف رقمًا لم يجلب لي سوى خيبة الأمل. كان أن أقف أمام المرآة، أرى خطوط التعب على وجهي، وأبتسم بصدق للمرة الأولى منذ زمن طويل.
لا أحد يرى تلك اللحظات الصغيرة التي تحولت إلى معارك شرسة داخل روحي. لا أحد يفهم كم كان النوم دون أرق إنجازًا يشبه تسلّق قمة مستحيلة. ولا أحد يقدر كم كانت الابتسامة في وجه يوم جديد انتصارًا على أشباح الأمس. ومع ذلك، لم أكن بحاجة لأن يراني أحد. يكفيني أنني أعرف. يكفيني أنني شهدتُ نفسي أقاتل، وأصمد.
لكن الجزء الأهم في كل هذا هو إدراكي أن التعافي ليس حربًا ضد العالم أو الآخرين. بل هو حربك الخاصة مع نفسك، مع النسخة التي صقلها الألم، مع الأفكار التي عاشت طويلًا في ظلام داخلك، مع كل جزء منك ظن أنه لن ينجو.
أن تعود لنفسك، بعد أن بعثرتك الحياة، هو أعظم انتصار يمكن أن تحققه. أن تقف بين رماد الألم، وتقرر أن تبدأ من جديد، هو شجاعة لا يمكن قياسها. أنا اليوم أدركت أنني لم أخرج من تلك المعركة خاسرًا، ولم أخرج كما دخلت. لقد نجوت، لكنني نجوتُ مختلفًا، أقوى، أكثر حكمة، وأكثر قربًا من ذاتي الحقيقية.
لم أعد أبحث عن لحظات درامية أو نهايات مهيبة. التعافي بالنسبة لي هو أن أفتح نافذتي كل صباح، أن أسمح للنور بالدخول، أن أعيش لحظة واحدة بكل عمقها، وأقول لنفسي بصوت مسموع:
“لقد نجوت. لقد عدت. وهذا يكفي”.
#سفير_برس _ الكويت _ بقلم : د. إلهام محمد التهامي