إعلان
إعلان

الأخلاق والسياسة… بقلم : أ‌. د. عبد الله المجيدل

#سفيربرس

إعلان

تهدف مقالة الأخلاق والسياسة إلى البحث في بنية العمل السياسي، الذي يسهم في إرساء قواعد الدور الأخلاقي والسياسي للمواطن العربي، في خضم الصرعات والتحولات العالمية والإقليمية والمحلية، من خلال التركيز على الأبعاد الإيجابية للسلوك القائم على احترام حقوق الآخرين ومصالحهم، وعلى التعاون والالتزام بمنظومة القيم الأخلاقية للمواطنة، على المستويين المحلي والعالمي، إذ إن البعد السياسي في بناء المواطنة يقوم على رعاية مصالح الناس وتمكينهم من تنمية مختلف جوانب شخصياتهم، بما تتيحه ظروفهم وطاقاتهم. وبذلك يكون البناء السياسي تمكين الفرد من البحث عن سعادته وتحقيقها، وممارسة حقوقه وخياراته في الحياة، دون قيود تفرضها إرادة غيره فرضاً حتمياً.

وهنا لا بد من إعادة النظر في التمييز بين الفهم التقليدي للفروق بين الأخلاق والسياسة، والذي يرى أن مجال الاخلاق هو سلوك الفرد، في حين مجال السياسة ينصب على سلوك الجماعة، إذ إننا نرى أن السلوك الجمعي ليس خارج أطر التقييم الأخلاقي، وبالتالي إمكانية إطلاق الحكم الأخلاقي عليه قائمة، كما أن مجال السياسة لا يقتصر على سلوك الجماعة، بل ربما يكون دور الأفراد، ولا سيما في البلدان التي هي في طور النمو، بحكم مواقعهم في سدة الحكم واستئثارهم باتخاذ القرار، سيجعل الحديث عن أن مجال السياسة هو سلوك الجماعة لا يتسم بالواقعية.
فالأخلاق كما يرها عادل العوا، هي طراز من النظر إلى جهد الإنسان في الإعراب عن ذاته في العالم، إنها رغبة تتطلع إلى النظام والاتساق؛ بهدف فهم السلوك البشري، إنها ميدان النشاط الوجودي الذي يشكل عمل الإنسان في العالم، من خلال إثبات ذاته والكشف عن الجهد الذي تبذله الذات في التعبير عن كيانها، وتحقيقه في الواقع الراهن، وبذلك نجد العوا يتبنى رؤية جوسيدروف بأن الأخلاق طريقة معينة للنظر إلى وجوه التعبير عن الإنسان في العالم، في حين يرى “ي. دني” أن الأخلاق ليست مجموعة من الأوامر المفروضة، بل هي نتاج لتطور الوعي البشري، وتفاعل الفرد مع محيطه، وبأن السلوك الأخلاقي مرتبط بالحرية الفردية، والقدرة على اتخاذ القرار المسؤول الناتج عن الضمير الإنساني، لا خوفاً من عقاب، ولا طمعاً بثواب، وبأن الاخلاق لا يمكن أن تُفهم إلّا في سياق إنساني حر، يُمكن الفرد من مواكبة التحولات الفكرية والاجتماعية المعاصرة.
وبالعودة إلى العلاقة بين الأخلاق والسياسة، فالسياسة جزء من المنظومة الأخلاقية، إنها مجموعة وسائل قيادة الجماعات البشرية، وتدبير شؤونها لخيرها ومصلحتها؛ أمَّا الأخلاق، فهي مجموعة القيم والمثل التي تحكم السلوك البشري لخيرهم وصلاحهم.
وفق هذين التعريفين، نلاحظ أنَّ الأخلاق هي الفضاء الأوسع الذي يتضمن المعايير، أما السياسة فهي الجزء الإجرائي من هذا الفضاء. فلا يمكن أن نتصوّر سياسيّاً ملتزماً بالمُثل الأخلاقية، وفي الوقت نفسه ظالماً في سلوكه السياسي. ولا يمكن أن نتصوَّرَ سياسيّاً متمرداً على القيم الأخلاقية، ويسلك سلوكاً سياسياً مستقيماً.
لقد سادت مسألة الكذب السياسي على شعوبنا وعلى العالم، لسنوات طويلة في بلداننا، إذ إن ساسة سورية في الحقبة البائدة، “مع التحفظ على التسمية” فهم جلادون ودخلاء على مجال السياسة، اعتقدوا بأن الكذب في السياسية مباح أخلاقياً، فتفنن أساطين اللانظام بالكذب في كل شيء، حتى لم يعد المواطن يثق بأي شيء يصدر عن الدولة، التي ينبغي أن تكون عنواناً للصدق والعدالة والحق، ولكنها مارست سياسة الخداع والكذب والنصب والاحتيال كلما اتيح لها ذلك. وهذا زعزع قيم المواطنة بوصف الدولة تشكل عنواناً لقيمها قاطبة، ودفع بالانتماءات الفرعية للظهور إلى السطح، ما أسهم بتفكك المجتمع وتمزيق روابطه التي كانت سائدة لقرون طويلة.
وفي النتيجة لعل السياسة والعمل السياسي يشكلان جزءاً من الأخلاق والمنظومة القيمية للفرد والمجتمع؛ فالسياسي الذي يؤمن ويعمل لأجل بناء دولتِه وتطويرها، هو المتمسك الفعلي بقيمه الأخلاقية، وهو مستعدٌ للتخلي عن كرسيّ الحكم، إذا ما كان الخيار بين كرسي الحكم والمبادئ الأخلاقية.

#سفيربرس _ بقلم : . د. عبد الله المجيدل
جامعة دمشق

إعلان
إعلان

رئيس التحرير

محمود أحمد الجدوع: رئيس تحرير صحيفة سفير برس. صحيفة سورية إلكترونية، يديرها ويحررها فريق متطوع يضم نخبة من المثقفين العاملين في مجال الإعلام على مختلف أطيافه, وعلى امتداد مساحة الوطن العربي والعالم.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *